تعلمت من أبي كثيرًا من السلوكيات فعلًا لا قولًا.
و العمل دأب الصالحين، في العبادة و التربية، و كل شؤونهم.
هنا تذكرت قول الله تعالى :
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
قَالَ مُجَاهِدٌ:
هذا وعيد لهم. قيل: في رؤية الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَرُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِيقَاعِ الْمَحَبَّةِ فِي قُلُوبِهِمْ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَالْبِغْضَةِ لِأَهْلِ الْفَسَادِ.
تعلمت منه رحمه الله أن صلة الرحم أساس الحياة، في الشدة والرخاء.
ما أروع تلك الأيام التي كنت أرى عماتي حلقة واحدة، و أبيرحمه الله يقرأ و يفسر لهن( قال الله و رسوله)
حقيقة الأمر، أني لم أفقه حين ذاك إلا تأثر العمات وبكائهن، و كيف أني كنت أدور على تلك الحلقة، و لم ينهرني أحد؛ فالكل مبحر مع الكتاب، منجذب نحو قراءة والدي رحمه الله.
حقيقة يعرفها الجميع :
الأب لا يعوض.
أجزم أن لا أحد يخالفني في ذلك.
حقيقة أخرى :
كنت في كنفه ملكة، وبعد فقده عصامية.
علمني رحمه الله أن الحب فعلٌ قبل أن يكون قولًا.
و من أجمل ما تعلمت منه أن الحياة جميلة في طاعة الله.
لم أره يومًا متخلفًا عن الصلاة، و لم أسمع منه كلمة نابية..
تعلمت منه أن القراءة حياة.
كثيرًا ما كان يخرج بنا للبر، و مازلت أتذكر تلك الصخرة الكبيرة التي كان يصعد عليها في سمو الروح قبل سمو المكان، ممسكًا بكتابه يقرأ و يشرف علينا و نحن صغارًا نلعب بالقرب منه.
أيها التربويون :
البعض قد يستشهد بنظرية فلان و فلان، في التربية….
و لهؤلاء أقول :
تعلمت من والدي أن التحفيز، من أسرار النجاح.
يشهد بذلك كثير من المواقف، أكثرها أثرًا في نفسي حينما حققت إنجازًا عظيمًا في عين طفلة و بسيطًا في أعين الكبار، حين ذاك أعطاني أبي مفتاح خزانة الحلوى؛ لأنتقي منها ما أريد، ولا أدري الآن هل أتحدث عن التحفيز الذي نقش في قلبي و ذاكرتي، أم أتحدث عن زرع الثقة في نفوس الأطفال ( خزانة الحلوى كنز بالنسبة لهم) و رغم أنه قال لي:
خذي ما شئت إلا أنني أخذت قطعتين فقط.!
و مع الأيام، أدركت السر في تأكيد القيم.
تعلمت من والدي رحمه الله:
أن القدوة مسؤول؛ لذا تذكروا دائمًا ماذا سيحصد منكم أبناؤكم؟!!
أيها الأزواج :
تعلمت من أبي أن أمي أميرة، بعيدًا عن أي خلاف؛ فارحموا طفولة تنظر إليكم نظرة تعظيم و إكبار؛ و لا ترهقوها بالانكسار..
أيها المربون:
احرصوا على صداقة من تعولون؛ فقد تعلمت من أبي أن الصداقة كالطعام، إذا زادت جلبت الأسقام.
و مما يذكر عنه_ رحمه الله_ قوله :
(أكثروا من المعرفة و لا تكثروا الصداقة)
و منذ أن سمعت هذه المقولة و أنا أتعجب، حتى قرأت قول ابن الرومي :
عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ
فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ
يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً
مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ
مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ
ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا
سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ
(فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ
يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ
وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ)
( رحم الله علمًا كان يمشي على الأرض)
ومما تعلمته من أبي، مقتطفات أوردها باختصار:
….
الكرم قد يكون في كلمة.
…..
أن الشجاعة موقف.
…..
أن العيد فرحة، وطاعة.(توأمان لا ينفصلان)
…..
أن قضاء حوائج الناس متعة.
(من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته يوم القيام).
…….
أن الكرم ليس حاتميًا فقط.
……
لا يستعبد الناس إلا رب الناس.
……
أن المبدأ السليم صخرة، لا تزحزحها الرياح.
…..
أن الإنسان يصنع الحياة.
……
أن من يزرع لابد أن يحصد؛ فانتقوا البذور.
……
أخيرًا: تمسكوا بآبائكم، وإن فقدتموهم، فزيدوا برًا.
